الربا والفائدة المصرفية دعوة لمواصلة الاجتهاد *
ASNAST :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول
صفحة 1 من اصل 1
الربا والفائدة المصرفية دعوة لمواصلة الاجتهاد *
--------------------------------------------------------------------------------
ينظر الكثيرين في المجتمع الى أن الفائدة البنكية ربا مطلق و الامر لا يستحق اي اجتهاد أو مناقشة
و يرى اخرون ان هناك فرق كبير وحتمية في التعامل مع النظام المالي الحالي و انا ارى ضرورة مناقشة الموضوع بطريقة فكرية و حوارية و بعيدة عن التعصب و نستمع لجميع الاراء بهدوء
و هذه دعوة للتعمق في الموضوع و ليست فتوى فنحن لا نفتي لأحد و لا نقول حرام و لا حلال
وكل انسان يستفتي قلبه و يجكم عقله و هو الوحيد مسؤول عن تصرفاته في النهاية ،،،
و هذا المقال يمثل تجربة و فكر لرجل مسلم و مؤمن عمل طوال حياته في مجال البنوك ،،
أخوكم ياسر البلخي
يهدف هذا المقال إلى تحفيز الحوار والاجتهاد في واقع الفرق بين الربا المحرّم نصًا والفائدة المصرفية المستجدة بما لها من أدوار حميدة وما عليها من مآخذ.
بقلم : علي أحمد عتيقة
يعود اهتمامي بمعرفة الفرق بين الربا والفائدة المصرفية المعاصرة إلى منتصف الستينيات من القرن الماضي. فقد كنت آنذاك أشغل منصب مدير إدارة البحوث الاقتصادية في بنك ليبيا المركزي الذي كان يعمل جاهداً على تطوير القطاع المصرفي وتشجيع مشاركة الليبيين في ملكيته وإدارته وفي التعامل معه. وبالرغم من صعوبة تلك المهمة في حد ذاتها, فإن الأصعب منها كان التعامل مع ما فعله عدد من الأفراد المستفيدين من قروض ميسرة من البنك الزراعي والبنك الصناعي العقاري. فقد استطاعت مجموعة متنفذة منهم إقناع الملك إدريس السنوسي رحمه الله بضرورة إلغاء الفائدة لأنها حسب ادعائهم هي الربا بعينه, وفوجئت إدارة بنك ليبيا بوجود ثلاثة مراسيم ملكية موقعة تنتظر الإعلان عن تحريم التعامل بالفائدة, ليس فقط في كل من البنكين الزراعي والصناعي العقاري بل فيما يتعلق بجميع معاملات بنك ليبيا المركزي. وكانت مهمتنا الصعبة تتمثل في الحيلولة دون وقوع الكارثة التي كانت تستهدف تحطيم النظام المصرفي المعاصر في البلاد إذا ما تم الإعلان عن هذه المراسيم! وقد نجح البنك بعد جهد جهيد في إقناع الحكومة بعدم الإعلان عن المرسوم الخاص ببنك ليبيا والاكتفاء بإلغاء الفائدة المتعلقة بمعاملات البنكين الزراعي والصناعي العقاري, ولكن مع اشتراط الحكومة على البنك المركزي أن يتقدم بدراسة علمية موضوعية يشرح فيها رأيه في إشكالية الفرق بين الربا والفائدة المصرفية. وتنفيذاً لهذا الطلب قمت آنذاك بإعداد مذكرة تتضمن ما توصلتُ إليه من اجتهاد حول الفرق بين الربا والفائدة, والتي عدت إليها أخيرًا لأكتب هذا المقال بناء على ما جاء فيها, راجياً أن يجد أصحاب الاختصاص فيه ما يساعد على حل هذه الإشكالية.
المصارف وضرورة الاجتهاد
يرتكز اجتهادنا على أساس أن الربا محرم بالنص القرآني ولا فائدة من محاولة الاجتهاد في غير ذلك. ولكن لابد من الاجتهاد في معرفة النظام المصرفي المعاصر الذي يتعامل بالفائدة. وهل هذا النظام مطابق لنظام الربا الذي حرمه الإسلام والعديد من الديانات السماوية الأخرى, أم أنه يمكن اعتباره مستجداً في شكله الحالي وبالتالي يخضع للقاعدة الشرعية العريضة السمحاء التي تعتمد المنفعة والضرر في تقدير الحرام من الحلال في كل مستجد من علم وتكنولوجيا وتقدم مؤسسي في تنظيم وإدارة المال والتجارة وغيرها من شئون الحياة المعاصرة?
تُعرف مدرسة تحريم الفائدة كل زيادة في رأس المال بالربا لغة وشرعاً وبهذا تعتبر الفائدة هي الربا والربا هو الفائدة, وتحدد الآثار السيئة للربا فيما يلى)
1) تجميع المال والسلطة في أيدي طائفة صغيرة من المرابين يمكنهم بواسطتها التدخل في شئون المجتمع والتحكم فيه واستغلاله استغلالاً فاحشا.
2) أن المال الذي يتجمع في أيدي هذه الأقلية هو ليس مالها الخاص ولكنه ملك لأفراد الشعب الذين يدخرونه.
3) غلاء أسعار السلع بسبب إضافة الربا إلى تكلفة الإنتاج.
4) ارتفاع الأسعار يؤدي إلى انخفاض في الاستهلاك مما يؤدي إلى إنشاء فائض في السلع دون تصريف.
5) هذا الفائض سيحتم على أصحابه البحث عن أسواق في الخارج يصرفون فيها بضائعهم, لتبدأ سيطرة الدول المصنعة على الدول النامية وصولاً إلى الاستعمار السياسي والاقتصادي.
6) سيؤدي غلاء الأسعار الناتج من الربا إلى رغبة المنتجين في تخفيض تكلفة الإنتاج عن طريق تخفيض أجور العمال أو الاستغناء عن بعضهم مما يسبب البطالة مع انخفاض في القوة الشرائية والنشاط الاقتصادي.
7) إذا لم يتمكن المنتجون من تخفيض أجور العمال فسيتجهون إلى تخفيض الأسعار للمواد الأولية المنتجة في البلاد النامية, الأمر الذي سيلحق بها أضرارا جسيمة.
وبناء عليه ترى مدرسة تحريم الفائدة أن جميع هذه الأضرار هي نتيجة حتمية للتعامل بالفائدة المصرفية.
المصارف.. مزايا ومآخذ
من الممكن أن يكون الأمر كذلك, لو كانت هذه الآثار السيئة هي فعلاً ناجمة عن التعامل بالفائدة المصرفية المعاصرة لسلمنا بأن الفائدة هي الربا الذي حرمه الإسلام, ولكن الواجب العلمي والمنطق السليم اللذين يطالب بهما الدين الإسلامي يفرضان علينا جميعاً أن نناقش صحة هذا الاستنتاج من الناحية الفنية وبالاستناد إلى الواقع التاريخي المعاصر. إذا ما قمنا بذلك فيمكن التوصل إلى اجتهاد مكون من العناصر التالية:
1) إن القول بأن التعامل بالفائدة المصرفية يجمع المال في أيدي مجموعة قليلة من الأفراد تجعلهم يتحكمون في مصير الأمة لا يستند إلى واقع عصري وإنما يعود إلى حقيقة تاريخية انتهى عهدها بحلول النظام المصرفي المعاصر. يتكون هذا النظام من مجموعة بنوك تجارية متخصصة مرتبطة بالبنك المركزي المملوك للدولة والذي يعمل وفقاً لسياستها وتحت إشرافها وتوجيهها. وبالتالي فإن دور البنوك في هذا النظام هو إتاحة الفرصة حتى لصغار المدخرين الاستثمار في أموالهم بربح وأن تكون البنوك هي الواسطة الفعّالة بين هؤلاء المدخرين ورجال الأعمال لكي يساهموا جميعاً في تكوين رأس المال الوطني. على وفق هذا النظام المالي ليس من السهل أن تتحكم مجموعة قليلة من الناس لأن النظام المصرفي ملك لأفراد كثيرين ويعمل تحت الإشراف العام والرقابة المستمرة من قبل بنك الدولة.
2) وحيث إن المال الذي تُقرضه البنوك هو ليس مالها الخاص وإنما يعود لأفراد ومؤسسات, فإن هذا من شأنه أن يكون عائقاً أمام أصحاب البنوك لاستغلال هذا المال كسلاح للتحكم في أفراد الشعب لأن أصحاب المال الأصليين يمكن أن يسحبوا أموالهم في أي وقت. كما أن الدولة مكلفة بحماية حقوق مواطنيها الذين يودعون أموالهم في البنوك عن طريق فرض احتياطيات قانونية إلزامية وإقراض البنوك عند الحاجة عن طريق البنك المركزي.
3) أما القول بأن فرض الفائدة سيتسبب في ارتفاع الأسعار لأن رجل الأعمال يضيف الفائدة التي يدفعها إلى سعر منتوجه فهو استنتاج صحيح من حيث إن عائد المال يشكل عاملاً من عوامل التكلفة ولكن هذه القاعدة صحيحة في جميع الأحوال ولا تقتصر على الحالة التي يكون فيها رجل الأعمال هو المقترض من البنك مقابل فائدة محدودة. إن الهدف الأساسي من عملية استعمال المال في الإنتاج والتجارة هو تحقيق مبلغ معين من الربح ثم توزيع هذا الربح بين العناصر التي اشتركت في تحقيقه بما في ذلك رأس المال.
ارتفاع الأسعار وسعر الفائدة
4) إن ارتفاع الأسعار يرجع في المرتبة الأولى إلى زيادة الطلب على المعروض من السلع والخدمات, وهذا الارتفاع يمكن أن يحدث حتى لو لم تكن هنالك أية فائدة على استعمال رأس المال لأن إنتاج السلع والخدمات يعتمد على عوامل أخرى مثل كلفة اليد العاملة ومستوى التكنولوجيا المستعملة وكفاءة التنظيم ومقدرة الاقتصاد على الإنتاج. فلو افترضنا أن المال متوافر بكميات كبيرة مثلما هو الحال في بعض البلدان المصدرة للبترول ذات الإمكانات البشرية المحدودة من حيث الكم والكيف والتنظيم والوعي فهذا لا يعني أن أسعار السلع والخدمات في تلك البلدان ستكون منخفضة بسبب توافر المال. بل العكس عادة يكون صحيحاً لأنه كلما زادت كمية المال دون أن تقابلها كمية مماثلة من الإنتاج, قلت قيمة النقود وارتفعت أسعار السلع والخدمات التي تتبادل بها النقود.
5) إن سعر الفائدة لا يمكن أن يكون مسئولاً عن نشوء الدورات التجارية وما تسببه من أضرار اقتصادية واجتماعية ناجمة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية وانكماش مستوى الاستثمار والعمالة وانخفاض في دخل الفرد ومستوى الاستهلاك تبعاً لذلك. فالسبب الرئيس لهذه التقلبات الاقتصادية كان ولا يزال هو تفاؤل أو تشاؤم رجال الأعمال حول المستقبل ومستوى الأرباح المتوقعة. وأصل هذا التشاؤم أو التفاؤل يرجع إلى عوامل نفسية وسياسية ليس لسعر الفائدة وجود بينها, من جانب آخر فإن من بين الحجج الأخرى التي يذكرها الذين لا يقرون بشرعية الفائدة المصرفية المعاصرة هي الحجة القائلة بأن البنوك تعطي فائدة منخفضة على الودائع التي تستلمها ثم تقوم بإقراضها بفائدة مرتفعة وتكسب الفرق بين السعرين. لو كان هذا هو الحال الذي ينطبق على النظام المصرفي المعاصر, لاعترفنا بأنه مضر ويتنافى مع العدالة التي يطالب بها الإسلام.
ولكن الواقع هو أن البنوك لا تتمتع بحرية مطلقة في تحديد ما تدفعه من فوائد لأصحاب الودائع أو ما تفرضه من فائدة على من يقترضون منها لأن حرية البنك في هذا الأمر مقيدة بالعوامل الآتية:
1) مستوى النشاط الاقتصادي والطلب على النقود: يمكن للبنك أن يفرض فائدة عالية على المقترضين, إذا كان الطلب على النقود مرتفعاً نتيجة لازدهار اقتصادي ولكنه في الوقت نفسه لا يستطيع أن يقرر لأصحاب الودائع فائدة منخفضة السعر لأنه لو فعل ذلك لامتنع هؤلاء عن إيداع أموالهم لدى البنك وقاموا بدلاً من ذلك باستثمارها في مجالات أخرى تدر عليهم فائدة أكثر. ولهذا السبب يضطر البنك إلى أن يرفع الفائدة التي يدفعها إلى أصحاب الودائع حتى يتمكن من الحصول على المال الذي يمكن أن يقرضه لرجال الأعمال.
2) إن التنافس بين البنوك في الحصول على الودائع وإقراضها يحد من حريتها في تحديد الفائدة التي تدفعها للمودعين والفائدة التي تطلبها من المقترضين, فإذا ما حاول أي من البنوك الاستغلال فإنه سرعان ما يخسر المودعين إلى بنك آخر ويضطر بعدها إلى التراجع حرصاً على مصلحته. هذا هو الحال في النظام المصرفي المعاصر. أما العكس فيتمثل في وجود المرابين وحدهم في السوق حيث يحصل الاحتكار وينشط التعامل بالربا الذي حرمه الإسلام.
3) قبل هذه العوامل كلها هناك رقابة البنك المركزي (بنك البنوك) على النظام المصرفي المعاصر. لقد نشأ نظام البنك المركزي في كل البلاد الصناعية وفي معظم البلاد النامية مسلحاً بقوة القانون والدراية المصرفية والاقتصادية والمحافظة على المصلحة العامة. فإذا ما دعت الضرورة والمصلحة العامة أن يتدخل البنك المركزي في تحديد مستوى سعر الفائدة فبإمكانه أن يفعل ذلك عن طريق التحكم في عرض النقود وتوجيه الطلب عليها وكذلك عن طريق تحديد الحد الأقصى لسعر الفائدة الذي يمكن أن يأخذه إلى البنك من عملائه. إن فعالية البنك المركزي (بنك الدولة) في تحديد سعر الفائدة وتوجيهها في خدمة الصالح العام أمر مسلّم به نظرياً وعملياً. ولهذا لا يصح القول بأن البنك التجاري هو الذي يحدد سعر الفائدة وباستطاعته أن يفعل ذلك بطريقة استغلالية.
يدعي الذين يطالبون بتحريم الفائدة بأن البنوك تحصل على أرباح ضخمة تجعلها بمأمن من كل مخاطرة ومطمئنة إلى استرداد قروضها وفوائدها من دون أي خسارة. إن هذا الادعاء مبالغ فيه كثيراً ولا ينطبق على الواقع, إذ إن أرباح البنوك في النظام المصرفي المعاصر لا تعتبر عالية بالنسبة لغيرها من النشاطات الاقتصادية. فضلا عن أن هذه الأرباح تخضع إلى فرض ضريبة تصاعدية تتفق مع الصالح العام وفقاً لما تقرره السلطات التشريعية والتنفيذية. وأرباح البنوك بشكل عام ليست أكثر من الأرباح الناتجة عن تأجير المباني والمضاربة في العقارات والعمل في المقاولات وغير ذلك من النشاط التجاري المألوف في بلادنا العربية. كما أن البنوك عندما تقرض العميل فهي بصورة عامة تخاطر مع العميل في عملية التجارة ولا يمكن القول بأنها (بمعصم من كل خسارة), لأنه في حالة الكساد العام يزيد الإفلاس بين رجال الأعمال مما يؤدي إلى ضياع أموال البنك. فحتى الضمانات التي يملكها البنك على القروض تصبح قليلة القيمة بسبب انعدام الطلب عليها, كما أنه في الحالات العادية نجد كل البنوك دون استثناء تضع في ميزانيتها مبالغ لتغطية الديون المعدومة والتي لا يمكن تحصيلها لسبب أو لآخر. لذلك يمكن القول بأن البنك مهما احتاط وبغض النظر عما لديه من ضمانات لابد له من المشاركة في المخاطرة والمجازفة مع العميل الذي يقترض المال لأغراض تجارية. كما أن الشخص الذي يودع أموالاً في البنوك يخاطر إلى حد ما مع البنوك ومع العميل الذي يقترض هذا المال من البنوك.
*منقول
ينظر الكثيرين في المجتمع الى أن الفائدة البنكية ربا مطلق و الامر لا يستحق اي اجتهاد أو مناقشة
و يرى اخرون ان هناك فرق كبير وحتمية في التعامل مع النظام المالي الحالي و انا ارى ضرورة مناقشة الموضوع بطريقة فكرية و حوارية و بعيدة عن التعصب و نستمع لجميع الاراء بهدوء
و هذه دعوة للتعمق في الموضوع و ليست فتوى فنحن لا نفتي لأحد و لا نقول حرام و لا حلال
وكل انسان يستفتي قلبه و يجكم عقله و هو الوحيد مسؤول عن تصرفاته في النهاية ،،،
و هذا المقال يمثل تجربة و فكر لرجل مسلم و مؤمن عمل طوال حياته في مجال البنوك ،،
أخوكم ياسر البلخي
يهدف هذا المقال إلى تحفيز الحوار والاجتهاد في واقع الفرق بين الربا المحرّم نصًا والفائدة المصرفية المستجدة بما لها من أدوار حميدة وما عليها من مآخذ.
بقلم : علي أحمد عتيقة
يعود اهتمامي بمعرفة الفرق بين الربا والفائدة المصرفية المعاصرة إلى منتصف الستينيات من القرن الماضي. فقد كنت آنذاك أشغل منصب مدير إدارة البحوث الاقتصادية في بنك ليبيا المركزي الذي كان يعمل جاهداً على تطوير القطاع المصرفي وتشجيع مشاركة الليبيين في ملكيته وإدارته وفي التعامل معه. وبالرغم من صعوبة تلك المهمة في حد ذاتها, فإن الأصعب منها كان التعامل مع ما فعله عدد من الأفراد المستفيدين من قروض ميسرة من البنك الزراعي والبنك الصناعي العقاري. فقد استطاعت مجموعة متنفذة منهم إقناع الملك إدريس السنوسي رحمه الله بضرورة إلغاء الفائدة لأنها حسب ادعائهم هي الربا بعينه, وفوجئت إدارة بنك ليبيا بوجود ثلاثة مراسيم ملكية موقعة تنتظر الإعلان عن تحريم التعامل بالفائدة, ليس فقط في كل من البنكين الزراعي والصناعي العقاري بل فيما يتعلق بجميع معاملات بنك ليبيا المركزي. وكانت مهمتنا الصعبة تتمثل في الحيلولة دون وقوع الكارثة التي كانت تستهدف تحطيم النظام المصرفي المعاصر في البلاد إذا ما تم الإعلان عن هذه المراسيم! وقد نجح البنك بعد جهد جهيد في إقناع الحكومة بعدم الإعلان عن المرسوم الخاص ببنك ليبيا والاكتفاء بإلغاء الفائدة المتعلقة بمعاملات البنكين الزراعي والصناعي العقاري, ولكن مع اشتراط الحكومة على البنك المركزي أن يتقدم بدراسة علمية موضوعية يشرح فيها رأيه في إشكالية الفرق بين الربا والفائدة المصرفية. وتنفيذاً لهذا الطلب قمت آنذاك بإعداد مذكرة تتضمن ما توصلتُ إليه من اجتهاد حول الفرق بين الربا والفائدة, والتي عدت إليها أخيرًا لأكتب هذا المقال بناء على ما جاء فيها, راجياً أن يجد أصحاب الاختصاص فيه ما يساعد على حل هذه الإشكالية.
المصارف وضرورة الاجتهاد
يرتكز اجتهادنا على أساس أن الربا محرم بالنص القرآني ولا فائدة من محاولة الاجتهاد في غير ذلك. ولكن لابد من الاجتهاد في معرفة النظام المصرفي المعاصر الذي يتعامل بالفائدة. وهل هذا النظام مطابق لنظام الربا الذي حرمه الإسلام والعديد من الديانات السماوية الأخرى, أم أنه يمكن اعتباره مستجداً في شكله الحالي وبالتالي يخضع للقاعدة الشرعية العريضة السمحاء التي تعتمد المنفعة والضرر في تقدير الحرام من الحلال في كل مستجد من علم وتكنولوجيا وتقدم مؤسسي في تنظيم وإدارة المال والتجارة وغيرها من شئون الحياة المعاصرة?
تُعرف مدرسة تحريم الفائدة كل زيادة في رأس المال بالربا لغة وشرعاً وبهذا تعتبر الفائدة هي الربا والربا هو الفائدة, وتحدد الآثار السيئة للربا فيما يلى)
1) تجميع المال والسلطة في أيدي طائفة صغيرة من المرابين يمكنهم بواسطتها التدخل في شئون المجتمع والتحكم فيه واستغلاله استغلالاً فاحشا.
2) أن المال الذي يتجمع في أيدي هذه الأقلية هو ليس مالها الخاص ولكنه ملك لأفراد الشعب الذين يدخرونه.
3) غلاء أسعار السلع بسبب إضافة الربا إلى تكلفة الإنتاج.
4) ارتفاع الأسعار يؤدي إلى انخفاض في الاستهلاك مما يؤدي إلى إنشاء فائض في السلع دون تصريف.
5) هذا الفائض سيحتم على أصحابه البحث عن أسواق في الخارج يصرفون فيها بضائعهم, لتبدأ سيطرة الدول المصنعة على الدول النامية وصولاً إلى الاستعمار السياسي والاقتصادي.
6) سيؤدي غلاء الأسعار الناتج من الربا إلى رغبة المنتجين في تخفيض تكلفة الإنتاج عن طريق تخفيض أجور العمال أو الاستغناء عن بعضهم مما يسبب البطالة مع انخفاض في القوة الشرائية والنشاط الاقتصادي.
7) إذا لم يتمكن المنتجون من تخفيض أجور العمال فسيتجهون إلى تخفيض الأسعار للمواد الأولية المنتجة في البلاد النامية, الأمر الذي سيلحق بها أضرارا جسيمة.
وبناء عليه ترى مدرسة تحريم الفائدة أن جميع هذه الأضرار هي نتيجة حتمية للتعامل بالفائدة المصرفية.
المصارف.. مزايا ومآخذ
من الممكن أن يكون الأمر كذلك, لو كانت هذه الآثار السيئة هي فعلاً ناجمة عن التعامل بالفائدة المصرفية المعاصرة لسلمنا بأن الفائدة هي الربا الذي حرمه الإسلام, ولكن الواجب العلمي والمنطق السليم اللذين يطالب بهما الدين الإسلامي يفرضان علينا جميعاً أن نناقش صحة هذا الاستنتاج من الناحية الفنية وبالاستناد إلى الواقع التاريخي المعاصر. إذا ما قمنا بذلك فيمكن التوصل إلى اجتهاد مكون من العناصر التالية:
1) إن القول بأن التعامل بالفائدة المصرفية يجمع المال في أيدي مجموعة قليلة من الأفراد تجعلهم يتحكمون في مصير الأمة لا يستند إلى واقع عصري وإنما يعود إلى حقيقة تاريخية انتهى عهدها بحلول النظام المصرفي المعاصر. يتكون هذا النظام من مجموعة بنوك تجارية متخصصة مرتبطة بالبنك المركزي المملوك للدولة والذي يعمل وفقاً لسياستها وتحت إشرافها وتوجيهها. وبالتالي فإن دور البنوك في هذا النظام هو إتاحة الفرصة حتى لصغار المدخرين الاستثمار في أموالهم بربح وأن تكون البنوك هي الواسطة الفعّالة بين هؤلاء المدخرين ورجال الأعمال لكي يساهموا جميعاً في تكوين رأس المال الوطني. على وفق هذا النظام المالي ليس من السهل أن تتحكم مجموعة قليلة من الناس لأن النظام المصرفي ملك لأفراد كثيرين ويعمل تحت الإشراف العام والرقابة المستمرة من قبل بنك الدولة.
2) وحيث إن المال الذي تُقرضه البنوك هو ليس مالها الخاص وإنما يعود لأفراد ومؤسسات, فإن هذا من شأنه أن يكون عائقاً أمام أصحاب البنوك لاستغلال هذا المال كسلاح للتحكم في أفراد الشعب لأن أصحاب المال الأصليين يمكن أن يسحبوا أموالهم في أي وقت. كما أن الدولة مكلفة بحماية حقوق مواطنيها الذين يودعون أموالهم في البنوك عن طريق فرض احتياطيات قانونية إلزامية وإقراض البنوك عند الحاجة عن طريق البنك المركزي.
3) أما القول بأن فرض الفائدة سيتسبب في ارتفاع الأسعار لأن رجل الأعمال يضيف الفائدة التي يدفعها إلى سعر منتوجه فهو استنتاج صحيح من حيث إن عائد المال يشكل عاملاً من عوامل التكلفة ولكن هذه القاعدة صحيحة في جميع الأحوال ولا تقتصر على الحالة التي يكون فيها رجل الأعمال هو المقترض من البنك مقابل فائدة محدودة. إن الهدف الأساسي من عملية استعمال المال في الإنتاج والتجارة هو تحقيق مبلغ معين من الربح ثم توزيع هذا الربح بين العناصر التي اشتركت في تحقيقه بما في ذلك رأس المال.
ارتفاع الأسعار وسعر الفائدة
4) إن ارتفاع الأسعار يرجع في المرتبة الأولى إلى زيادة الطلب على المعروض من السلع والخدمات, وهذا الارتفاع يمكن أن يحدث حتى لو لم تكن هنالك أية فائدة على استعمال رأس المال لأن إنتاج السلع والخدمات يعتمد على عوامل أخرى مثل كلفة اليد العاملة ومستوى التكنولوجيا المستعملة وكفاءة التنظيم ومقدرة الاقتصاد على الإنتاج. فلو افترضنا أن المال متوافر بكميات كبيرة مثلما هو الحال في بعض البلدان المصدرة للبترول ذات الإمكانات البشرية المحدودة من حيث الكم والكيف والتنظيم والوعي فهذا لا يعني أن أسعار السلع والخدمات في تلك البلدان ستكون منخفضة بسبب توافر المال. بل العكس عادة يكون صحيحاً لأنه كلما زادت كمية المال دون أن تقابلها كمية مماثلة من الإنتاج, قلت قيمة النقود وارتفعت أسعار السلع والخدمات التي تتبادل بها النقود.
5) إن سعر الفائدة لا يمكن أن يكون مسئولاً عن نشوء الدورات التجارية وما تسببه من أضرار اقتصادية واجتماعية ناجمة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية وانكماش مستوى الاستثمار والعمالة وانخفاض في دخل الفرد ومستوى الاستهلاك تبعاً لذلك. فالسبب الرئيس لهذه التقلبات الاقتصادية كان ولا يزال هو تفاؤل أو تشاؤم رجال الأعمال حول المستقبل ومستوى الأرباح المتوقعة. وأصل هذا التشاؤم أو التفاؤل يرجع إلى عوامل نفسية وسياسية ليس لسعر الفائدة وجود بينها, من جانب آخر فإن من بين الحجج الأخرى التي يذكرها الذين لا يقرون بشرعية الفائدة المصرفية المعاصرة هي الحجة القائلة بأن البنوك تعطي فائدة منخفضة على الودائع التي تستلمها ثم تقوم بإقراضها بفائدة مرتفعة وتكسب الفرق بين السعرين. لو كان هذا هو الحال الذي ينطبق على النظام المصرفي المعاصر, لاعترفنا بأنه مضر ويتنافى مع العدالة التي يطالب بها الإسلام.
ولكن الواقع هو أن البنوك لا تتمتع بحرية مطلقة في تحديد ما تدفعه من فوائد لأصحاب الودائع أو ما تفرضه من فائدة على من يقترضون منها لأن حرية البنك في هذا الأمر مقيدة بالعوامل الآتية:
1) مستوى النشاط الاقتصادي والطلب على النقود: يمكن للبنك أن يفرض فائدة عالية على المقترضين, إذا كان الطلب على النقود مرتفعاً نتيجة لازدهار اقتصادي ولكنه في الوقت نفسه لا يستطيع أن يقرر لأصحاب الودائع فائدة منخفضة السعر لأنه لو فعل ذلك لامتنع هؤلاء عن إيداع أموالهم لدى البنك وقاموا بدلاً من ذلك باستثمارها في مجالات أخرى تدر عليهم فائدة أكثر. ولهذا السبب يضطر البنك إلى أن يرفع الفائدة التي يدفعها إلى أصحاب الودائع حتى يتمكن من الحصول على المال الذي يمكن أن يقرضه لرجال الأعمال.
2) إن التنافس بين البنوك في الحصول على الودائع وإقراضها يحد من حريتها في تحديد الفائدة التي تدفعها للمودعين والفائدة التي تطلبها من المقترضين, فإذا ما حاول أي من البنوك الاستغلال فإنه سرعان ما يخسر المودعين إلى بنك آخر ويضطر بعدها إلى التراجع حرصاً على مصلحته. هذا هو الحال في النظام المصرفي المعاصر. أما العكس فيتمثل في وجود المرابين وحدهم في السوق حيث يحصل الاحتكار وينشط التعامل بالربا الذي حرمه الإسلام.
3) قبل هذه العوامل كلها هناك رقابة البنك المركزي (بنك البنوك) على النظام المصرفي المعاصر. لقد نشأ نظام البنك المركزي في كل البلاد الصناعية وفي معظم البلاد النامية مسلحاً بقوة القانون والدراية المصرفية والاقتصادية والمحافظة على المصلحة العامة. فإذا ما دعت الضرورة والمصلحة العامة أن يتدخل البنك المركزي في تحديد مستوى سعر الفائدة فبإمكانه أن يفعل ذلك عن طريق التحكم في عرض النقود وتوجيه الطلب عليها وكذلك عن طريق تحديد الحد الأقصى لسعر الفائدة الذي يمكن أن يأخذه إلى البنك من عملائه. إن فعالية البنك المركزي (بنك الدولة) في تحديد سعر الفائدة وتوجيهها في خدمة الصالح العام أمر مسلّم به نظرياً وعملياً. ولهذا لا يصح القول بأن البنك التجاري هو الذي يحدد سعر الفائدة وباستطاعته أن يفعل ذلك بطريقة استغلالية.
يدعي الذين يطالبون بتحريم الفائدة بأن البنوك تحصل على أرباح ضخمة تجعلها بمأمن من كل مخاطرة ومطمئنة إلى استرداد قروضها وفوائدها من دون أي خسارة. إن هذا الادعاء مبالغ فيه كثيراً ولا ينطبق على الواقع, إذ إن أرباح البنوك في النظام المصرفي المعاصر لا تعتبر عالية بالنسبة لغيرها من النشاطات الاقتصادية. فضلا عن أن هذه الأرباح تخضع إلى فرض ضريبة تصاعدية تتفق مع الصالح العام وفقاً لما تقرره السلطات التشريعية والتنفيذية. وأرباح البنوك بشكل عام ليست أكثر من الأرباح الناتجة عن تأجير المباني والمضاربة في العقارات والعمل في المقاولات وغير ذلك من النشاط التجاري المألوف في بلادنا العربية. كما أن البنوك عندما تقرض العميل فهي بصورة عامة تخاطر مع العميل في عملية التجارة ولا يمكن القول بأنها (بمعصم من كل خسارة), لأنه في حالة الكساد العام يزيد الإفلاس بين رجال الأعمال مما يؤدي إلى ضياع أموال البنك. فحتى الضمانات التي يملكها البنك على القروض تصبح قليلة القيمة بسبب انعدام الطلب عليها, كما أنه في الحالات العادية نجد كل البنوك دون استثناء تضع في ميزانيتها مبالغ لتغطية الديون المعدومة والتي لا يمكن تحصيلها لسبب أو لآخر. لذلك يمكن القول بأن البنك مهما احتاط وبغض النظر عما لديه من ضمانات لابد له من المشاركة في المخاطرة والمجازفة مع العميل الذي يقترض المال لأغراض تجارية. كما أن الشخص الذي يودع أموالاً في البنوك يخاطر إلى حد ما مع البنوك ومع العميل الذي يقترض هذا المال من البنوك.
*منقول
asnast50- المساهمات : 265
تاريخ التسجيل : 26/12/2009
المضاربة والمرابحة
يقدم الذين يعترضون على شرعية الفائدة نظام المضاربة والمرابحة كبديل إسلامي للفائدة على القروض الإنتاجية. إذا ما تأملنا في أحكام هذا النظام نجد أن الفرق الأساسي بينه وبين نظام الفائدة المتعامل به في البنوك المعاصرة هو أن مردود استعمال رأس المال يحسب كجزء من الأرباح الناتجة من التجارة وذلك لأن صاحب المال يدخل كشريك مع رب العمل في التجارة بينما في النظام المصرفي المعاصر يأخذ نسبة محدودة من رأس المال بغض النظر عن مبلغ الأرباح التي يمكن أن تتحقق لرب العمل من تجارته. ولكننا أوضحنا فيما سبق أن هذا الفرق صحيح في الشكل وليس في الجوهر لأن مردود المال سواء حُسب على أساس الفائدة المحددة أو كجزء من الأرباح فهو يعتمد في النهاية على مستوى الأرباح, فارتفاع مستوى الأرباح في التجارة يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة في البنوك وكذلك إلى ارتفاع نصيب رأس المال من الأرباح في نظام المضاربة.
ولكن لو سلمنا جدلاً بأن المضاربة والمرابحة تختلف اختلافاً جوهرياً عن النظام المصرفي المعاصر فهل يمكن لهما أن تحلا محله? يرتكز نظام المضاربة في المعاملات المصرفية على قاعدة أساسية وهي أن علاقة المودعين والبنك وعلاقة البنك وأصحاب المشروعات الإنتاجية مبنية على أساس المشاركة وتوزيع الربح بين المشتركين على أسس متفق عليها مسبقاً. وبالتالي فإن هذه القاعدة تفترض أن جميع الذين يودعون أموالهم في البنوك التجارية يقومون بذلك بقصد الربح في كل الأحوال. ولكن الواقع هو غير ذلك, إذ إن معظم ودائع البنوك التجارية هي ودائع تحت الطلب لأغراض تسديد العمليات التجارية الجارية ولا يدفع عليها فائدة تذكر لأن لأصحابها الحق في سحبها في أي وقت يرغب, وبالتالي لا يستطيع البنك أن يشارك بتلك الأموال في مشروعات تجارية قد تحتاج إلى مدة طويلة حتى تأتي بربح. وهكذا لا يمكن لنظام المضاربة أن يوفر احتياجات الاقتصاد المعاصر في خدمة الحسابات الجارية والتعامل بالشيكات بدلاً من البنكنوت (النقود) والقروض القصيرة المدى التي عادة لا تتجاوز مدتها ستة أشهر.
أما الجزء الثاني من الودائع التي تتمثل في ودائع التوفير وودائع لأجل فهو في حد ذاته لا يكفي لتمويل احتياجات الاقتصاد في مجال القروض الإنمائية, إذ إن غالبية أصحاب هذه الودائع غير راغبين ولا مستعدين للمشاركة في التجارة لأن لديهم بعض الأموال التي وفروها ويرغبون في الاحتفاظ بها في حالة قريبة من السيولة حتى إذا ما احتاجوا إليها يمكن استردادها من البنك بسرعة. وإذا عرفنا أن أصحاب المال والشركات المساهمة لا يودعون أموالهم عادة إلا لآجال قصيرة (أسبوع إلى ثلاثة أشهر) يتبين لنا أن البنوك التجارية عادة لا تقدم على قروض طويلة المدى بحماس لأن الأموال التي تتعامل بها هي إما تحت الطلب أو مودعة لآجال قصيرة.
التمويل والقروض
أما المشروعات الإنتاجية التي تساهم في تنمية إنتاج السلع والخدمات عن طريق تمويل مشروعات إنمائية فهي تحتاج إلى قروض طويلة الأجل وبفوائد منخفضة نسبياً أو عن طريق المساهمة في رأس المال والمشاركة في الربح, ولهذا الغرض توجد في النظام المصرفي المعاصر بنوك وصناديق ومؤسسات تمويل متخصصة (مثل المؤسسات المتخصصة بالتسليف الصناعي والزراعي والعقاري) إما أن تكون حكومية كما هو الحال في بلادنا أو مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص أو خاصة تتمتع بمساعدات معينة من الحكومة. إن بنوك وصناديق الاستثمار هذه تشترك مع رب العمل في المشروعات الإنتاجية عن طريق شراء وامتلاك نسبة معينة من أسهم الشركة المالكة للمشروع. وبهذا يمكن القول بأنه يتوافر في النظام المصرفي المعاصر سبل عدة لتمويل المشروعات الإنتاجية بطريقة تراعي العدالة وتخضع للرقابة من قبل الدولة. وفي حالة بنوك الاستثمار يشارك صاحب المال مع رب العمل في منح القروض الإنتاجية وبالتالي هناك مجال واسع أمام رب العمل لاختيار أفضل السبل لتمويل مشروعاته إما عن طريق الاقتراض أو المشاركة. أما في نظام المضاربة فلا يوجد مجال للاختيار بالنسبة لرب العمل ولا بالنسبة لصاحب المال. فهم مرغمون على الدخول في المشاركة المباشرة.
كما أن نظام المضاربة لا يتضمن تحديد الحصة التي يمكن لصاحب المال أن يطلبها من رب العمل عند الدخول في المشاركة الأمر الذي يحول دون مراعاة العدالة التي ينشدها الإسلام. فالأمر فوق هذا الظلم متروك لما يتفق عليه صاحب المال ورب العمل. مما قد يمكن صاحب المال من استغلال رب العمل كلما يكون رب العمل في حاجة إلى المال. فمثلاً قد يطلب صاحب المال أن يتحصل على ثلاثة أرباع الربح وقد يضطر رب العمل أن يقبل ذلك لأنه محتاج. كما أنه في حالة عدم تحقيق أرباح من المشاركة يبقى رأس المال لصاحبه بينما رب العمل لا يحصل على شيء مقابل جهده ربما لمدة عام أو أكثر. فهل هذا لا يمثل استغلال صاحب المال لرب العمل?.. إن هذا الوضع في رأينا أسوأ من النظام المصرفي المعاصر الذي يحدد نصيب صاحب المال مقدماً على أساس القانون والمنافسة الحرة والرقابة العامة من قبل البنوك المركزية التابعة للدولة. أرجو أن يجد القارئ في هذا المقال ما يحفزه على الحوار والاجتهاد في واقع الفرق بين الربا المحرم نصاً والفائدة المصرفية المعاصرة المستجدة بما لها من خصائص وأدوار حميدة وما عليها من مآخذ تعمل البنوك المركزية والدولة على الحد منها ومراقبة آثارها السلبية.
منقول عن موقع في اي بي
ولكن لو سلمنا جدلاً بأن المضاربة والمرابحة تختلف اختلافاً جوهرياً عن النظام المصرفي المعاصر فهل يمكن لهما أن تحلا محله? يرتكز نظام المضاربة في المعاملات المصرفية على قاعدة أساسية وهي أن علاقة المودعين والبنك وعلاقة البنك وأصحاب المشروعات الإنتاجية مبنية على أساس المشاركة وتوزيع الربح بين المشتركين على أسس متفق عليها مسبقاً. وبالتالي فإن هذه القاعدة تفترض أن جميع الذين يودعون أموالهم في البنوك التجارية يقومون بذلك بقصد الربح في كل الأحوال. ولكن الواقع هو غير ذلك, إذ إن معظم ودائع البنوك التجارية هي ودائع تحت الطلب لأغراض تسديد العمليات التجارية الجارية ولا يدفع عليها فائدة تذكر لأن لأصحابها الحق في سحبها في أي وقت يرغب, وبالتالي لا يستطيع البنك أن يشارك بتلك الأموال في مشروعات تجارية قد تحتاج إلى مدة طويلة حتى تأتي بربح. وهكذا لا يمكن لنظام المضاربة أن يوفر احتياجات الاقتصاد المعاصر في خدمة الحسابات الجارية والتعامل بالشيكات بدلاً من البنكنوت (النقود) والقروض القصيرة المدى التي عادة لا تتجاوز مدتها ستة أشهر.
أما الجزء الثاني من الودائع التي تتمثل في ودائع التوفير وودائع لأجل فهو في حد ذاته لا يكفي لتمويل احتياجات الاقتصاد في مجال القروض الإنمائية, إذ إن غالبية أصحاب هذه الودائع غير راغبين ولا مستعدين للمشاركة في التجارة لأن لديهم بعض الأموال التي وفروها ويرغبون في الاحتفاظ بها في حالة قريبة من السيولة حتى إذا ما احتاجوا إليها يمكن استردادها من البنك بسرعة. وإذا عرفنا أن أصحاب المال والشركات المساهمة لا يودعون أموالهم عادة إلا لآجال قصيرة (أسبوع إلى ثلاثة أشهر) يتبين لنا أن البنوك التجارية عادة لا تقدم على قروض طويلة المدى بحماس لأن الأموال التي تتعامل بها هي إما تحت الطلب أو مودعة لآجال قصيرة.
التمويل والقروض
أما المشروعات الإنتاجية التي تساهم في تنمية إنتاج السلع والخدمات عن طريق تمويل مشروعات إنمائية فهي تحتاج إلى قروض طويلة الأجل وبفوائد منخفضة نسبياً أو عن طريق المساهمة في رأس المال والمشاركة في الربح, ولهذا الغرض توجد في النظام المصرفي المعاصر بنوك وصناديق ومؤسسات تمويل متخصصة (مثل المؤسسات المتخصصة بالتسليف الصناعي والزراعي والعقاري) إما أن تكون حكومية كما هو الحال في بلادنا أو مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص أو خاصة تتمتع بمساعدات معينة من الحكومة. إن بنوك وصناديق الاستثمار هذه تشترك مع رب العمل في المشروعات الإنتاجية عن طريق شراء وامتلاك نسبة معينة من أسهم الشركة المالكة للمشروع. وبهذا يمكن القول بأنه يتوافر في النظام المصرفي المعاصر سبل عدة لتمويل المشروعات الإنتاجية بطريقة تراعي العدالة وتخضع للرقابة من قبل الدولة. وفي حالة بنوك الاستثمار يشارك صاحب المال مع رب العمل في منح القروض الإنتاجية وبالتالي هناك مجال واسع أمام رب العمل لاختيار أفضل السبل لتمويل مشروعاته إما عن طريق الاقتراض أو المشاركة. أما في نظام المضاربة فلا يوجد مجال للاختيار بالنسبة لرب العمل ولا بالنسبة لصاحب المال. فهم مرغمون على الدخول في المشاركة المباشرة.
كما أن نظام المضاربة لا يتضمن تحديد الحصة التي يمكن لصاحب المال أن يطلبها من رب العمل عند الدخول في المشاركة الأمر الذي يحول دون مراعاة العدالة التي ينشدها الإسلام. فالأمر فوق هذا الظلم متروك لما يتفق عليه صاحب المال ورب العمل. مما قد يمكن صاحب المال من استغلال رب العمل كلما يكون رب العمل في حاجة إلى المال. فمثلاً قد يطلب صاحب المال أن يتحصل على ثلاثة أرباع الربح وقد يضطر رب العمل أن يقبل ذلك لأنه محتاج. كما أنه في حالة عدم تحقيق أرباح من المشاركة يبقى رأس المال لصاحبه بينما رب العمل لا يحصل على شيء مقابل جهده ربما لمدة عام أو أكثر. فهل هذا لا يمثل استغلال صاحب المال لرب العمل?.. إن هذا الوضع في رأينا أسوأ من النظام المصرفي المعاصر الذي يحدد نصيب صاحب المال مقدماً على أساس القانون والمنافسة الحرة والرقابة العامة من قبل البنوك المركزية التابعة للدولة. أرجو أن يجد القارئ في هذا المقال ما يحفزه على الحوار والاجتهاد في واقع الفرق بين الربا المحرم نصاً والفائدة المصرفية المعاصرة المستجدة بما لها من خصائص وأدوار حميدة وما عليها من مآخذ تعمل البنوك المركزية والدولة على الحد منها ومراقبة آثارها السلبية.
منقول عن موقع في اي بي
asnast50- المساهمات : 265
تاريخ التسجيل : 26/12/2009
مواضيع مماثلة
» الربا والفائدة المصرفية دعوة لمواصلة الاجتهاد *
» قانون السرية المصرفية
» المرسوم رقم 30 لعام2010 حول السرية المصرفية
» قانون السرية المصرفية
» المرسوم رقم 30 لعام2010 حول السرية المصرفية
ASNAST :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى